تشكل قناة اسطنبول الجديدة منعطفاً استثنائياً في حركة النقل والتجارة في تركيا، فهذا المشروع الذي بدأ حفره عام 2017، يعني أن مساراً مائياً جديداً سيصل البحر الأسود ببحر مرمرة، مخففاً الضغط عن قناة مضيق البوسفور، وجاذباً أضخم السفن والناقلات عبر تركيا إلى مختلف الدول الأخرى، ما جعل الأتراك يصفونه بـ "مشروع العصر"، معلقين عليه آمالهم في ازدهار ونمو غير محدود.
ما هو مشروع قناة اسطنبول؟
يُبرز تصميم القناة المائية مساراً اصطناعياً بطول 45-50 كيلو متراً، وعمق 25 متراً، مع عرض يصل إلى 150 متراً، ما يسمح بمرور أكبر السفن والناقلات والغواصات، بما يصل عدده إلى أكثر من 160 مركبة، مع حمولة تجارية يصل وزنها إلى 150 مليون طناً.
يمتد الممر الجاري بناؤه بين البحر الأسود شمالاً، وبحر مرمرة جنوباً، موازياً مضيق البوسفور من جهة الغرب، والذي ظل لفترة طويلة من أشهر الممرات المائية الفاصلة بين الشرق والغرب، وأكثرها حيوية وازدحاماً في الحركة الملاحية.
دشنت الحكومة التركية القناة عام 2021، لكنها لن تدخل الخدمة إلا في عام 2027، بعد الانتهاء من أعمال البناء التي تبلغ تكلفتها الإجمالية 25 مليار دولار. تكاليف تأمل الدولة تعويضها سريعاً بإيرادات سنوية تفوق 8 مليارات الدولارات، وفقاً لتوقعات رسمية.
خريطة قناة اسطنبول الجديدة
تُظهر خريطة القناة الجديدة بدء مسارها من الخط الفاصل بين بحر مرمرة وبحيرة "كوتشوك جكمجه"، مروراً بسد "سازلي ديري" عبر منطقتي "ألتين شهير" و "شاهين تيبي"، وصولاً إلى البحر الأسود من شرق بحيرة "تيركوس"، ما يعني العبور بمناطق تتبع أربع بلديات، هي "أرناؤوط كوي" و"كوتشوك تشكمجه" و"باشاك شهير" و"أفجلار".
كما تتوزع على الخريطة ستة جسور تصل شرق الممر بغربه، مع احتمال بناء جسور إضافية. تتضمن الخريطة أيضاً بناء 3 جزر اصطناعية من أنقاض القناة، وإحداث دار أوبرا على إحداها.
موقع قناة اسطنبول
يشق مشروع القناة الجديدة قلب المدينة الاقتصادي بامتياز، تحديداً في الشق الأوروبي، حيث النشاط الهائل للحركة التجارية. يمنح موقع المدينة الممتدة على قارتين الممر المائي الجديد زخماً واعداً، فبالإضافة إلى البلديات الأربعة سابقة الذكر، تعتزم الحكومة التركية إنشاء مدينة جديدة تحمل اسم "يني شهير" في الأراضي المحيطة بالمشروع، لتكون بؤرة جاذبة للمستثمرين والمقيمين الأتراك والأجانب على السواء، أسوة بالعديد من "المدن الذكية" الجاري إحداثها في دول عدة. يتميز موقع القناة أيضاً بقربه من مطار اسطنبول، ما يعد ثقلاً جديداً في كفة الامتيازات.
أهمية قناة اسطنبول الجديدة
يكتنز مشروع القناة مزايا ضخمة، أبرزها الإيرادات الهائلة التي سترفد خزينة الدولة التركية. يمكن النظر إلى هذه الفوائد على ثلاث مستويات رئيسية من الأهمية، تشكل وجه تركيا القادم:
- الأهمية الاقتصادية لقناة اسطنبول:
- تعزيز حركة الملاحة البحرية في تركيا، وتزويدها بمورد مالي إضافي يتمثل في الرسوم التي ستتقاضاها الدولة عن حركة المرور في المضيق الجديد.
- إزالة العشوائيات، واستثمار الأراضي غير المأهولة الواقعة على جانبي القناة، ما يعني بناء بنى تحتية صالحة لاستقطاب حركة إعمار المساكن والمكاتب والشركات الجديدة التي تحاول من الآن حجز مكان لها على طول المسار الواعد، ما يعني بيئة عمل مربحة، ومشاريع وفرص توظيف تساهم في زيادة الناتج الفردي والقومي.
- تعويض الحكومة التركية عن التسعيرة المنخفضة نسبياً التي تتقاضاها عن السفن العابرة لمضيق البوسفور، حيث تتوقع الحكومة تحصيل نحو 5 دولارات عن كل طن من البضائع وحمولات السفن المارة يومياً.
- التقليل من تركز التلوث الناجم عن النقل البحري في مضيق البوسفور وحده.
- زيادة جاذبية المنطقة للمستثمرين والاقتصاديين عموماً، الباحثين عن أسواق تبشر بنمو طويل الأجل، مدفوعين بدعم الدولة نفسها لهذا المشروع.
- الأهمية العقارية لقناة اسطنبول:
انعكست وتيرة البناء الناشطة في القناة على أسعار الأراضي المحاذية لها، فارتفع سعر المتر المربع من الأرض في قرية "شاملار" مثلاً من 6 إلى 184 دولارا، وفي مواقع أخرى، وصل سعر المتر المربع إلى 800 دولار بعد أن كان 25 دولاراً فقط، وساهم ذلك في:
- تنشيط حركة بيع وشراء العقارات، إذ سارعت شركات عقارية محلية وأجنبية إلى شراء أراض مجاورة للقناة، تعويلاً على عوائدها المستقبلية المغرية.
- تحويل التسمية القانونية للعديد من الأراضي من زراعية إلى صالحة للإعمار، ما يفتح الباب واسعاً لنهضة عمرانية مقبلة.
- دخول أغلب الأراضي حيز إعادة التنظيم، ما يعني إمكانية الاستثمار فيها.
- الأهمية السياحية لقناة اسطنبول:
لا جدال في المكانة التي تشتهر بها اسطنبول على خريطة السياحة العالمية، والمنشآت الجميلة على ضفتي مضيق البوسفور تشهد بذلك، وتوحي بما يمكن قناة اسطنبول الجديدة إضافته على هذا الصعيد. فعدا دار الأوبرا المدرجة على مخطط إحدى الجزر الصناعية المرتقبة، تستعد عشرات الشركات العقارية والسياحية لإقامة منتجعات ومرافق ترفيهية على طول مسار القناة، بإطلالات يتوقع أن تكون أخاذة، ما يعطي المنتج السياحي التركي الممتاز بطبيعته زخماً إضافياً، ويزيد وجهات الجذب، ما يرفد الدولة بالمزيد من الإيرادات.